العقلية، ولا تخريج الفلاسفة والحكماء، وإنما رسالتها تقوم أساسا على تقويم السلوك، وتهذيب النفوس، وإقامة مجتمعات إنسانية على مبادئ الخير والعدل والإحسان.
ومن هنا، لا نجد فى الشريعة الإسلامية تلك التعريفات الجامعة المانعة- كما يقولون- للخير والشرّ، والحقّ والباطل، والحسن والقبيح، وغير ذلك من الصور التي عنى الفلاسفة والأخلاقيون، بتحليلها، والتعرف على عناصرها، وجمع الصفات المميزة لكل واحد منها..
فإذا قال الفلاسفة والأخلاقيون: «إن الحق هو كذا، والخير هو كذا، والحسن كذا- لم نجد فى كتاب الله ولا سنّة رسوله قولا عن الحق.. ما هو؟
والخير ما هو؟ والحسن ما هو؟ وإنما نجد دعوات إلى الحق، والخير، والإحسان، وإغراء بها، وتحريضا عليها، ورصدا للجزاء الحسن لمن استقام عليها.. كذلك نجد عكس هذا، إزاء كل ما هو باطل، وشر، وخبيث!.
ولم يكن إغفال الشريعة الإسلامية لرسم حدود الفضائل، وتقويم الأخلاق عن تهوين لشأنها، أو استصغار لخطرها.. وكيف وغاية الشريعة ومقصدها أولا وأخيرا، إنما هو تقويم الأخلاق، وتربيتها، وإقامتها على منهج سليم مستقيم! وكيف والنبىّ الكريم يجعل عنوان رسالته، ويحصر مهمة نبوته فى هذا المجال وحده: فيقول صلوات الله وسلامه عليه: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» ؟
فليس عن تهوين إذن من شأن الأخلاق، ولا عن استصغار لخطرها، هذا الاتجاه الذي اتجهت إليه الشريعة فى إغفالها البحث عن «ماهية» الأخلاق.. إذ كان مقصد الشريعة وهدفها- كما قلنا- هو الجانب العملي