إنها رحلة طويلة فى عالم ما بعد الحياة، استغرقت مئة عام قطعها الرجل وأشياؤه مع القرية فى مسيرتها.. وصحا الرجل بعدها، فوجد من يسأله من قبل الله، على لسان هاتف يهتف به: «كم لبثت» فى نومتك تلك؟
وما حسب أنه طوى هذا الزمن الطويل فى هذا النوم الثقيل، فقال: «لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ!» ذلك ما وقع فى تقديره، قبل أن يفتح عينيه على الحياة من حوله، ويرى سير الزمن بها، وأثره فيها.. فلما قيل له: «بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ» فزع، وكرب، وجهد أن يستحضر وجوده كله، ويقظته كلها، ليعلم أهو فى يقظة أم منام.. وصحا الرجل صحوة مشرقة، فرأى الأمر على ما أخبر به..
لقد تغيرت وجوه الأرض من حوله، فأنكرها وأنكرته، بل لقد أنكر نفسه بما طرأ عليه خلال نومه الطويل، من تغيّر فى هيئته.. ووقع فى يقينه أنه نام نومة استغرقت مئة عام، وهتف به هاتف الحق: أن انظر إلى طعامك وشرابك.. إنه على ما هو عليه لم يدخل عليه فساد، بل ما زال طيبا هنيئا «لم يتسنّه» أي لم تغيّره السنون- وأصله لم يتسنّ، والهاء للسكت!! «وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ» إنه ما زال قائما إلى جوارك على عهدك به!! ففيك وفى أشيائك التي بين يديك آية لك وللناس، يرون فيها قدرة الله التي لا يعجزها شىء، ويستيقنون منها إمكانية البعث الذي يرتاب فيه المرتابون.
وحين استبان للرجل كل شىء حوله، وأشرق قلبه بنور الحق، واستنارت بصيرته بهدى الله، دعى إلى أن ينظر نظرا أعمق وأشمل، إذ قيل له:
«وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً» ونشز العظام هو بروزها من بين أخلاط الجنين.. وفى النظر تتكشف عملية الخلق، وبعث الإنسان من عدم، كما يقول الله تعالى: «أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً» (67: مريم) . فالذى أوجد الحياة من موات، قادر على أن يرد هذه الحياة إلى موات، كما أنه قادر على أن يعيد الحياة إلى هذا