أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)
التفسير: هنا نجد المثل لمن آمن بالله فكان الله وليّه، يخرجه من الظلمات إلى النور، ومن كفر فكان الطاغوت وليّه، يخرجه من النور إلى الظلمات! ومثل الأول نجده على أكمل صورة وأتمها، فى إبراهيم عليه السّلام، كما نجد مثل الثاني فى هذا الذي آتاه الله الملك، وغمره بالنعم، فاستقبلها بالجحود والكفران، والإغراق فى البهت والضلال.. ولم يذكر القرآن اسم هذا الإنسان المتمرد على الله، ولم يدل عليه، لأنه ساقط من حساب الإنسانية، إذ باع إنسانيته للشيطان، وأسلمها للطاغوت.. ثم إنه لا ضرورة لذكره، حتى لا يتعرف عليه أحد، فتصيبه عدواه ولو من بعيد، كما تصيب الرائحة الخبيثة بالأذى كلّ من يمر به حامل الجيف.. ثم لمن أراد أن يعرف وجه هذا الشر، وحامل هذا المنكر فإن التاريخ يقول إنه «النمرود» ملك كنعان.. وكم فى الناس من نمرود؟
والذي تعرضه الآية الكريمة هنا، وتحرص على كشفه وتجليته، وهو هذا الصّدام الفكرى بين منطق الحق وسفاهة الباطل، بين نور الإيمان وهداه، وظلام الشرك وضلاله! يقول الله تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ» فهذا الإنسان الذي فضل الله عليه وأوسع له فى فضله، ومكّن له فى الأرض، قد غرّه ما بيده من سلطان، فكفر بأنعم الله، ثم لجّ به الكفر فحادّ الله ورسوله، وادعى لنفسه الألوهية، وقال قولة فرعون: «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى» !