فى حياة الإنسان كلها، لا يتلبّس بأمر إلا بعد أن ينظر فيه، ويطمئن إليه، ويرضى عنه، فيقدم أو يحجم عن هدى وبصيرة، وهذا هو ملاك النجاح فى كل أمر، ومنطلق الملكات الإنسانية كلّها فى وثاب وقوة، إلى أنيل؟؟؟
الغايات وأعظمها.
إن تحرير ضمير الفرد من الضلال والعمى، وفك عقله من الضّيق والإظلام، لا يكون إلا بتحرير إرادة الإنسان وإطلاقها من كل قهر أو قسر.. وإنه لن تصحّ إنسانية الإنسان، ولن يكتمل وجوده، إلا بالضمير الحر، والعقل المتحرر.. وإنه لا فرق بين الأحرار والعبيد وبين الإنسان وغير الإنسان إلا فى تلك المشاعر التي يجدها الإنسان فى كيانه من طاقات الحرية والتحرر، فيمتلك بها أمر نفسه، ويكتب بها خطّ مسيره ومصيره، كيف شاء، وعلى أي وجه أراد..
وفى الواقع أن ركوب الخطأ عن رأى الإنسان وتقديره، غير المدخول عليه بإكراه أو خداع، أو تضليل- هو خير من الانقياد للصواب عن قهر وقسر، وعن تمويه وتلبيس.. إذ الأول يسير ومعه عقله، وتفكيره، وليس ببعيد أن يلتقى يوما بالصواب الذي ضل عنه.. أما الآخر، فإنه يسير بلا عقل ولا تفكير..
يسير بعقل غيره، وبتفكير غيره، وليس ببعيد أن يلتفت يوما فلا يجد من أعاره عقله وتفكيره، فإذا هو كتلة جامدة، أو تمثال من لحم ودم، لا حياة فيه، ولا معقول له! .. إن الأول مبصر يتخبط فى الظلام، ولكنه إذا رأى النور، أبصر، واهتدى واستقام على سواء السبيل..
أما الآخر.. فهو أعمى يقاد لكل يد تمتد إليه.. وكما انقاد ليد من ينصح له ويهديه، فإنه لن يمتنع عن الانقياد لمن يمكر به، ويضلّه.. وهل يملك الأعمى أن يأخذ طريقا غير طريق من يقوده، ويمسك بيده؟