التفسير: تلك عاقبة الصابرين فى مواقع الحق، المجاهدين فى سبيل الله، على بصيرة وهدى، لا يخطئهم النصر أبدا.
وواضح من الآية الكريمة أن داود عليه السلام كان فى هذه الحرب جنديا من جنود طالوت، وأنه ببسالته وشجاعته قد تولى قتل قائد العدو جالوت، وبفعله هذا كان النصر والغلب.. ثم كان من فضل الله على داود بعد هذا أن أتاه الله الملك والحكمة، وعلمه مما يشاء من علمه، فألان له الحديد، وعلمه صنعة الدروع للحرب، وجعل لصوته من حسن النغم ما جعل الحياة كلها من حوله تنسجم معه، وتستجيب له، وإذا هى معه صوت واحد، يسبح بحمد الله رب العالمين!! وقوله تعالى: «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ» .
يبيّن أن هذا التدافع بين الناس.. بين الخير والشر.. بين الحق والباطل..
بين الأقوياء والضعفاء.. بين الأغنياء والفقراء.. بين الأفراد والأفراد..
وبين الجماعات والجماعات.. وبين الأمم والأمم- هذا التدافع فى كل موقع من مواقع الحياة، وفى كل متجه فيها، وعلى كل مورد مواردها- هو الذي يحرك دولاب العمل على هذه الأرض، ويبعث الحياة فى كل جانب منها.. ولو كان النّاس متجها واحدا، ومذهبا واحدا، وشعورا واحدا، وتفكيرا واحدا، ومنزعا واحدا- لكانوا شيئا واحدا.. كانوا كتلة باردة متضحمة، أشبه بجبل من الجليد، لا تطلع عليه الشمس أبدا!! فسبحان من خالف بين النّاس فجعل من هذا التخالف مادة الحياة والبناء والعمران، ولولا ذلك لفسدت الأرض وضاع الناس: «وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ» .