فالرجلان بهذا الوضع يمثلان الإنسانية كلها، إذ كان الناس أبدا فريقين:
مؤمنين، وكافرين.. مستجيبين لدعوة الرسل مؤمنين بها، أو منكرين لها، خارجين عليها.. وإذ كان ذلك من كسبهم واختيارهم، فقد استحق كل أن ينال جزاء ما عمل: «وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ» .
والرجلان اللذان تعرضهما الآيات، يقف كل منهما فى الجانب الذي اختاره، وحرص عليه، واعتزّ به..
أما الكافر.. فقد وسّع الله له فى الرزق.. فجعل له الله سبحانه وتعالى:
«جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ» وهاتان الجنّتان قد تكونان فى قطعتين من الأرض، تنعزل كل منهما عن الأخرى.. فهما فى مرأى العين جنّتان، وقد تكونان جنّة واحدة، ولكنها لا تساع رقعتها، تبدو وكأنها جنتان..
والرأى الأول هو المقول به هنا، حيث جاء حديث القرآن عنهما باعتبارهما جنتين، لكل جنة كيانها، واعتبارها..
وقد حفّت هاتان الجنتان بالنخيل، ليكون ذلك أشبه بسور لهما.. إلى جانب الثمر الذي يجىء من هذه النخيل..
وليس هذا، فحسب، فإن بين أشجار العنب زروعا أخرى، من حبّ، وفاكهة، وغيرها.. فهما إذن جنّتان فى أعدل بقعة.. تربتها خصبة، وماؤها كثير.. «وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً» .. ولهذا كان ثمرهما كثيرا مستوفيا: «كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً» أي لم ينقص شىء مما ينبغى أن تعطيه الأرض الطيبة من ثمرات ما يغرس فيها.. ثم إلى جانب هذا كان للرجل مال آخر يثمّره وينمّيه، كالأنعام، وغيرها: «وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ» .
هذا هو الرجل الكافر.. صاحب خير كثير أفاضه الله عليه، ورزق واسع