العاقبة، ووقع البلاء، وتعرضوا للفتنة فى دينهم، الذي ارتضوه وآمنوا به.
وتناجى الفتية فيما بينهم، وارتادوا مواقع النجاة والسلامة لهم، ولدينهم..
إنه الفرار إلى أرض غير هذه الأرض، والهجرة إلى بلد غير هذا البلد! ولكن كيف يكون هذا، والقوم لهم بكل طريق؟
إن على مقربة من المدينة، وعلى الطريق الذي انتووا أن يأخذوه إلى موطنهم الجديد- كهفا يعرفونه. فليتخذوه سترا لهم، يختفون به عن أعين القوم أياما، حتى يفتقدهم القوم.. ثم يطلبونهم، ثم لا يجدون لهم أثرا! فإذا سارت الأمور على هذا التقدير.. خرجوا من الكهف- وقد نامت عنهم أعين الرقباء- ثم تابعوا السير إلى حيث ينتهى بهم المطاف إلى الجهة التي يريدونها..
«وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً» .
أرأيت إلى هجرة الرسول، وما كان لغار «جراء» فيها؟ إنه كهف مثل كهف أصحاب الكهف هذا، ولكأن القرآن الكريم يجىء بهذه القصة، وتتنزل آياتها على جماعة المسلمين، وهم فى مكة يلقون ما يلقون من عنت وكيد وبلاء فى سبيل عقيدتهم- لكأن القرآن إنما يجىء بهذه القصة فى هذا الوقت، ليربط على قلوب تلك الجماعة القليلة المستضعفة من المؤمنين، وليريهم مثلا طيبا للمؤمنين الذين يسكن الإيمان قلوبهم، ويملأ مشاعرهم، استجابة لدعوة الفطرة من غير نبىّ ولا كتاب.. ثم لكأن فيما اتجه إليه أصحاب الكهف من الهجرة بدينهم، إشارة واضحة إلى منافذ الفرج والخلاص، من مواطن الكيد والبلاء، بالتحول من دار إلى دار، والانتقال من بلد إلى بلد!!