وثانيا: أنهم لم يقصروا مقترحاتهم على مطالب ذات نفع خاص بهم، حتى يقال عنهم إنهم طلّاب منفعة، وأصحاب أهواء.. فهم إذ طلبوا أن يفجّر لهم من الأرض ينبوعا، طلبوا أن يسقط السّماء عليهم كسفا.. وهم إذ طلبوا لأنفسهم أن يفجّر لهم من الأرض ينبوعا، طلبوا له أن ينشىء لنفسه جنّة من نخيل وعنب، تجرى من تحتها الأنهار وليس نهرا واحدا، كما طلبوا أن يقيم له قصرا مشيدا، مزخرفا، مموها بالذهب.
وثالثا: أن أصابع اليهود تبدو بصماتها واضحة على تلك المقترحات، وأنهم هم الذين صاغوها للمشركين تلك الصياغة الخبيثة الماكرة.. إذ هم أصحاب قدم راسخة فى هذا الضلال الذي كانوا يلقون به رسل الله إليهم.. فقد سألوا موسى أن يريهم الله جهرة، كما يقول الله تعالى عنهم: «وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً» (55: البقرة) . ومن مواقفهم الماكرة مع موسى أنهم أرادوا أن يمتحنوا قدرته على الاتصال بالله، فطلبوا إليه أن يأتيهم بطعام غير المنّ والسّلوى، وهو طعام سماوى وضعه الله فى أيديهم.. فقالوا «فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها، قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ» (61: البقرة) .
فهذه المقترحات التي اقترحها المشركون على النبىّ لم يكن مرادا بها إلّا التحدّى، حتى ولو كان فى هذا التحدّى هلاكهم! فقولهم: «أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً» هو من قبيل ما طلبه بنو إسرائيل، من استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير!! وقد أمر الله نبيّه أن يردّ على مقترحاتهم تلك بقوله سبحانه: «قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا» ..
وقد تضمن هذا الرد أمرين: