فكيف يسوغ هذا الضلال لعقل هؤلاء الذين يجعلون لله أندادا يسوّونهم به، وهم صنعة يده، وغذىّ نعمته؟
- وفى قوله تعالى: «أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ» إنكار لموقف هؤلاء المشركين، من نعم الله، التي أفاضها عليهم.. وتذكير لهؤلاء السادة من المشركين بما وسّع لهم من رزق، ولو شاء لجعلهم فى المكان الذي فيه عبيدهم ومواليهم.. فإنهم بهذا الرزق الذي رزقهم الله إياه كانوا سادة فى الناس، وكانت لهم الكلمة المسموعة فيهم.. ثم هم- مع ذلك- أئمة يدعون الناس إلى غير طريق الله، ويدفعون بهم إلى مهاوى الهلاك.. وكان الأولى بهم أن يقيموا وجوههم إلى الله، وأن يقدموا له ولاءهم وحمدهم، فإذا لم يكن شىء من هذا، فلا أقلّ من أن يدعوا عباد الله يعبدون الله، لا أن يضلّوهم ويصدّوهم عن سبيله! قوله تعالى: «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ.. أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ» .
هذا رزق من رزق الله، الذي جعله حظّا مشاعا فى عباده جميعا، وهو أنه سبحانه، جعل بين الذكر والأنثى فى عالم الإنسان- كما هو فى عالم الحيوان- إلفا ومودة، بما بينهما من مشاكلة وتوافق فى الطباع، الأمر الذي به يتم اجتماعهما، وتآلفهما، ثم ما يكون من هذا الاجتماع والتآلف من ثمرات طيبة، يقتسمان متعتهما منها، هى البنون والحفدة، وهم أبناء الأبناء، أو هم الكبار من الأبناء، الذين يكونون عضدا لآبائهم، يسعون معهم، ويحملون عبء الحياة عنهم..
فالحفد: السعى فى سرعة، ومنه ما ورد فى القنوت: «وإليك نسعى ونحفد» .. ثم إلى هذا الذي رزقه الله سبحانه وتعالى، الناس من بنين وحفدة،