أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ»
- هو بيان لتلك الحال من الانزعاج، والكرب، والبلاء، التي تستولى على هؤلاء المشركين من العرب، حين يبشر أحدهم بأنه قد ولدت له أنثى.. هنالك ينزل عليه هذا الخبر نزول الصاعقة، فيضطرب كيانه، وتغلى دماء الكمد فى عروقه، ويضيق صدره، حتى لتختنق أنفاسه ويسودّ وجهه..
فإذا ظهر فى الناس جعل يتوارى منهم، ذلّة وانكسارا، حتى لكأنه لبس عارا، أو جنى جناية..! وهذا جهل فاضح، وضلال غليظ.. ولو كان معه شىء من النظر والتعقل، لعرف أن هذا الأمر ليس له، وأن ليس لأحد أن يخلق ذكرا أو أنثى، وإنما ذلك إلى الله وحده.. فلم يخجل من أن تولد له أنثى؟
ولم يمشى فى الناس مطأطىء الرأس، ذليل النفس؟ أيستطيع عاقل أن يتهمه بأنه جنى هذه الجناية المنكرة عندهم، وأنه ولد بنتا ولم يلد ولدا؟ ذلك قول لا يقال إلا فى مجتمع السفهاء والحمقى! - وفى قوله تعالى: «وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى» - إشارة إلى أن الولد نعمة من النعم التي يبشر بها، سواء أكان ذكرا أم أنثى، وأن من شأن هذه البشرى أن تملأ قلب الوالد بالفرحة والبشر.. تلك طبيعة الكائن الحىّ، حين يولد له مولود.. يهشّ له ويسعد به، بمجرد أن يرى وجهه، من قبل أن يتعرف عليه، ويعلم أذكر هو أم أنثى! .. فما يتوقف الحيوان عن فرحته حين يستقبل ولده، حتى يتبين الذكر من الأنثى.. بل إن مواليده كلّها سواء عنده.. هى قطعة منه، وثمرة شجرة الحياة المغروسة فى كيانه، والإنسان الذي يفرّق بين مواليده، هو خارج على الفطرة، منحرف عن سنة الحياة فى الأحياء..
- وقوله تعالى: «كَظِيمٌ» أي مكظوم، ممتلىء غيظا، وألما. ومنه الكظّة: وهى الامتلاء من الطعام..
- وقوله تعالى: «أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ» - هو تعقيب على هذا الموقف