وقوله تعالى: «وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ» - هو استكمال لما قررته الآية السابقة من سجود ظلال الأشياء لله، وأنها ليست وحدها هى التي تسجد لله سبحانه، بل كل ما فى السموات وما فى الأرض.. من كل دابة تدبّ على الأرض.. ومن الملائكة فى السموات يسجدون لله، وهم لا يستكبرون.. يقول الله تبارك وتعالى فى آية أخرى: «وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ» (15: الرعد) .
وخصّت الدوابّ بالذّكر، لأنّها من مخلوقات الأرض، ذات الحسّ والحركة، وهى دون الإنسان منزلة.. وخصّت الملائكة بالذكر كذلك، لأنها من عالم السموات، وهى أشرف مخلوقاتها..
وفى هذا قطع لكل حجة للإنسان ألا يكون فى الساجدين لله.. فإذا عدّ نفسه من عالم الأرض، فهذه دوابّ الله كلّها تسجد لله.. فليسجد معها.. وإذا كان يرى أنّه فوق هذه الدواب، فهذه مخلوقات السماء، وهذه الملائكة أشرف مخلوقاتها وأكرمها عند الله، قد سجدت لله فى ولاء وخشوع.. فليسجد لله كما سجدت الملائكة، أو كما سجدت الدوابّ! وقوله تعالى: «يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ» - هو وصف للملائكة الذين دأبهم العبادة، وشأنهم السجود لله.. فهم- مع منزلتهم عند الله- يخافون ربّهم الذي علا بسلطانه على كل سلطان «وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ» به، من الله، فى غير تردد أو تكرّه.. إذ هم أعرف بما لله فى خلقه، وما على الخلق من واجب الطاعة والولاء للخالق..