ولعلك- بعد هذا- تدرك السرّ فى اختلاف فاصلة هذه الآية، عن الآية التي قبلها، والآية التي بعدها، حيث جاءت ثلاثتها هكذا:
«إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ..»
«إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ..»
«إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ..»
(فاختصّت آية الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم، بأصحاب العقول، كما اختصت بأن فيها «آيات» لقوم يعقلون، لا آية واحدة! .. ففى كل نجم آيات وآيات) (على حين اختصت آية الماء والزروع، بمن يتفكرون، فيرون فيما وراء هذا الظاهر الذي يجابه حواسّهم، دلائل تدل على قدرة الله وعلمه وحكمته) .. (ثم كان الإلفات إلى عالم النبات، وإلى اختلاف ألوانه وطعومه آية بعد آية لقوم يذّكرون، فيربطون بين هذه الوجوه المختلفة للنبات، ويصلون بعضها ببعض) ..
قوله تعالى: «وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ.. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ» ..
ذرأ: خلق، وأوجد.. والذرء: إظهار الشيء..
والآية معطوفة على الآية التي قبلها، والتقدير، وسخر لكم الشمس والقمر، وسخر لكم ما ذرأ.. و «مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ» حال..
والمعنى، أن الله سبحانه قد سخّر لكم ما أنبت فى الأرض من نبات، مختلف الألوان، فجعله مستجيبا لكم، جاريا على ما ألفتموه منه، تغرسون الحب، فينمو، ويزهو، ويثمر.. هكذا على نظام لا يتخلّف أبدا.. إنه آلة مسخرة، لا يملك من أمره شيئا.. إذ ليس له إرادة يمكن أن تخرج به عن السّنن المعهود له، والنظام الذي أقامه الله سبحانه وتعالى عليه.