قوله تعالى: «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ» أي فى هذه المخلفات آية لمن كان مستعدا للإيمان، حين تلوح له دلائل الحق، وتبدو له شواهده..
ومن إعجاز القرآن هنا ما نجده فى اختلاف النظم بين فاصلتى الآيتين فى قوله تعالى: «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ» وفى قوله سبحانه: «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ» .. ومن أسرار هذا الاختلاف:
أولا: أن المتوسّمين- وهم كما قلنا- أصحاب البصر الحديد والبصيرة النافذة- تتكشف لهم من ظواهر الأشياء أمور لا تتكشف لغيرهم من سائر الناس..
فهم يرون آيات، على حين يرى غيرهم آية.. «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ» وذلك فيما تحدّث به أخبار القوم الظالمين..
وثانيا: أن المؤمنين، أو من فى كيانهم استعداد للإيمان- هؤلاء، لا يحتاجون إلى كثير من الأدلة والبراهين، حتى يذعنوا للحق، ويهتدوا إلى الإيمان، وإنما تكفيهم الإشارة الدالّة، أو اللمحة البارقة، حتى يكونوا على طريق الإيمان.. «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ» .. وذلك فيما تحدث به مخلّفات هؤلاء القوم الهالكين.
وثالثا: أن الإيمان أمره هيّن، ومراده قريب.. وأن القاصد إليه، الباحث عنه، لا يحتاج إلى معاناة نظر، أو كدّ ذهن، وكل ما يحتاج إليه فى تلك الحال، هو أن يخلى نفسه من التشبث، والعناد، والمكابرة، وأن يلقى وجه الإيمان بقلب سليم، ورأى مستقيم.. عندئذ يرى أن الإيمان أقرب شىء إليه، وآلف حقيقة عنده.. إذ كان جاريا مع الفطرة الإنسانية، متجاوبا مع أشواقها وتطلعاتها.
هذا، وقد جاء النظم القرآنى لقصّة لوط هنا، مخالفا لما جاء عليه فى مواضع