وقوله تعالى: «وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ» .
فى هذه الآية ردّ على أولئك الذين ظلموا، وبأن عودتهم مرة أخرى إلى الحياة لن تغير من أحوالهم شيئا، وأنهم لن يرجعوا عما كانوا.. ذلك لأن النّذر لا نقع منهم موقع العبرة والعظة.. فلو أنهم كانوا يأخذون من النذر عبرة وعظة، لكان لهم فيما وقع تحت أبصارهم فى حياتهم الأولى، مزدجر عما اقترفوه من آثام، وفعلوه من منكرات.. فلقد سكنوا فى مساكن الذين ظلموا أنفسهم، ورأوا ما فعل لله بهم، وما أخذهم به من عذاب ونكال.. ومع هذا فإنهم ساروا على نفس الطريق الذي سلكه أسلافهم هؤلاء.. من ظلم، وبغى، وضلال، ولم يكن لهم فيما حلّ بهم نظر واعتبار.! فكيف ينفعهم هذا الموقف الذي وقفوه فى الآخرة، وعاينوا فيه ما أعد الله للظالمين من بلاء وهوان؟ إن هذا من ذاك، سواء بسواء! وإنه إذا كان فى عذاب الآخرة عبرة لمعتبر، فإن فى مصارع الظالمين فى الدنيا، وفيما يأخذهم الله به من بأساء وضراء، لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.. وفى هذا يقول تبارك وتعالى: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ. لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ.. أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ؟ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ» (36- 37: فاطر) .
وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (46) فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (49) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50)
لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (51) هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (52)