وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ»
(47: البقرة) كما كانوا يسمعون ما نزل من القرآن فيما كان بين موسى وفرعون، ونجاتهم على يد موسى، وغرق فرعون وجنوده، وكان هذا مما يسرّهم، وينعش نفوسهم.. فيتلّقون ما نزل من القرآن فى مثل هذا، بالقبول والرضا.. فإذا نزل من القرآن ما يفضح الجوانب الخبيثة فيهم، ويكشف عن وجوه الشر المنطوية عليه صدورهم، مثل قوله تعالى فيهم: «فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ» 13: المائدة) .. وقوله سبحانه: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً» (51- 52: النساء) - إذا سمعوا مثل هذا من كلام الله، ساءهم وأفزعهم، فأنكروه، وأنكروا على الرسول رسالته كلها.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ» .. فالأحزاب هنا هم جماعات اليهود الذين كانوا حزبا على النبي مع مشركى قريش، ومن انضم إليهم من قبائل العرب، فهم لا ينكرون كل ما جاء فى القرآن، وإنما ينكرون منه ما فضح نفاقهم، وكشف تحريفهم لكتاب الله الذي فى أيديهم..
وكذلك كان شأن النصارى.. يفرحون بالآيات التي تحدث عنهم حديثا فيه ذكر طيب لهم، كقوله تعالى: «لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ» (82: المائدة) ..
وكقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ» (33: آل عمران) ومثل ما قصّ القرآن من سيرة مريم.. فكل هذا مما يرضاه النصارى من القرآن، ويمسكون به منه، أما ما جاء فى القرآن من