القرى يشير الله سبحانه وتعالى بقوله: «وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» (27: الأحقاف) ..
قوله تعالى: «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» .. هو إلفات لمشركى قريش، إلى تلك القرى التي يمرون عليها فى طريقهم إلى الشام مع رحلة الصيف.. فليقفوا قليلا على أطلالها، وليروا كيف كانت عاقبة الذين كذبوا برسل الله.. ولقد كانوا أشد منهم قوة وأكثر أموالا وأولادا، فما عصمتهم قوتهم، من بأس الله إذ جاءهم، وما أغنت عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله من شىء! قوله تعالى: «وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا» .. إنها العبرة التي يستخلصها العقلاء من الوقوف على أطلال هذه القرى الظالم أهلها.. وإنها لتنطق بأن الحياة الدنيا متاع زائل، وزخرف حائل، وأن الدار الآخرة خير وأبقى، للذين اتقوا ربهم، وتزودوا لتلك الدار بالعمل الصالح والتقوى..
وفى قوله: «أَفَلا تَعْقِلُونَ» تقريع وتوبيخ لهؤلاء المشركين الضّالين، الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا! فلقد عطلوا عقولهم، فلم يهتدوا بها إلى خير، ولم يتعرفوا بها على حق.. فخسروا الدنيا والآخرة.. ذلك هو الخسران المبين.
«حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ» ..
استيئس: واجه اليأس، ووقع فى تصوره أن لا ملجأ، ولا نجاة، وذلك فى لقاء الأحداث، ومصادمة الشدائد..
كذبوا: أي كذب عليهم، إذ لم يتحقق لهم ما وعدوا به إلى أن بلغ بهم الحال إلى هذا اليأس..