إلى ما كان منهم من جهل، ولو علموا، ما وقعوا فيما فعلوا، فهم معذورون إذ كانوا جاهلين! وهكذا بسط لهم جناح الصفح والمغفرة.. حتى لقد رأوا فى تلك المداعبة والملاطفة وجه الأخوة الحانية. يطلّ عليهم، طاويا تلك السنين التي غبرت!! وتحول الشك عندهم إلى يقين.. فقالوا بصوت واحد: «أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ» ؟ ونعم إنه ليوسف.. يقولونها هكذا بصيغة التوكيد!! «قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي» : ثم أراهم يوسف أن هذا الذي يرونه ولا يكادون يصدّقونه، هو من فضل الله عليه، وأنه سبحانه قد أحسن جزاءه، إذ كان ممن ابتلاهم فصبروا، وممن مكّن لهم فاتّقوا وأحسنوا: «إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ» .
«قالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ» .
وماذا يقولون غير هذا؟ وقد فعلوا بيوسف ما فعلوا به صغيرا، ثم ما رموه به بعد سنين طويلة من انقطاع أخباره عنهم.. حين قالوا للعزيز «يوسف» :
«إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ» ؟
لقد أدانوا أنفسهم، وأقروا بالخطيئة. فقالوا: «وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ» مؤكدين هذا الإقرار. ومستشهدين له، بهذا الفضل الذي فضله به الله عليهم، واختصه به دونهم: «تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا» .
وإنهم لم يرتضوا الحكم الذي حكمه عليهم يوسف بقوله: «إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ» إذ رأوا أن هذا صفح كريم منه، وتسامح أخوىّ لقيهم به..
أما واقع أمرهم فإنهم كانوا خاطئين، بل وغارقين إلى آذانهم فى الخطيئة!! «قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» .
وهكذا يأبى عليه فضله وإحسانه، وبرّه بأهله، إلا أن يؤكد الصفح والمغفرة