والسؤال هنا:
كيف يدعونه إلى أن يوفى لهم الكيل، وهم يعلمون أنه لم ينقص الكيل أبدا، كما شاهدوا ذلك بأعينهم، وكما قال هو لهم: «أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ؟» فكيف يدعونه إلى هذا؟ أفلا يكون ذلك اتهاما منهم لعدالته؟
ثم ألا يكون ذلك استثارة لمشاعر النفور منهم والبغضة لهم، وهم فى مقام يطلبون فيه عطفه، ويستميحون معروفه ونائله؟ .. فكيف يتفق هذا وذاك؟
والجواب: أنهم لم يريدوا بقولهم هذا: «فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ» دعوة له أن يعطيهم حقّهم، وألا يبخسهم منه شيئا.. وإنما هم بهذا يطلبون أكثر مما لهم، إذ كانت البضاعة التي بين أيديهم ليست من الأشياء التي يعزّ وجودها فى مصر، وتشتد الرغبة فيها، مما يجلب إليها من مصنوعات البلاد الأخرى.. وإنما كان الذي معهم أشتات من الأنعام، ساقوها بين أيديهم، وهم فى الطريق إلى مصر..
ولخوفهم من أن يردّها العزيز، ولا يقبلها بضاعة يكيل لهم بها، قدّموا لذلك الضرّ الذي مسهم، «يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ» ثم قدموا إليه البضاعة التي معهم، وكأنهم يعتذرون إليه من تقديمها، إذ لم يكن عندهم غيرها «وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ» .. فإذا جاء بعد هذا قولهم: «فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ» كان معناه فاقبلها منا، واجعلها بضاعة غير مبخوسة عندك، واجعل لكل منا حمل بعير، كما عودتنا، فإن لم يكن ذلك فى مقابل هذه البضاعة، فاجعله فضلا منك وإحسانا..
«فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ..»
«وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا..»
«إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ..»