و «شعيب» عليهما السلام، حين دعت ابنة شعيب أباها إلى أن يستأجر موسى ويستعمله فى تدبير شؤونه.. إذ قالت: «يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ.. إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ» .. فوصفت «موسى» بالصفتين المطلوبتين فى الأمر الذي هو مطلوب له، وهو القيام على رعى أغنام شعيب، ورعايتها، وتثميرها، وهذا أمر يحتاج إلى يد قوية عاملة، ترتاد مواقع العشب، والماء، دون أن يدفعها عنها أحد.. كما أنه يحتاج إلى «الأمين» الذي يرعى هذه الأمانة التي فى يديه، وأن يعطيها من جهده، وإخلاصه، ما يعطيه لما هو فى ملكه وخاصة شئونه..
وهكذا، توضع الأمور فى نصابها، حين يوضع الرجال فى أماكنهم المناسبة لهم.. فلكلّ عمل أهله الذين يحسنونه، فإذا قام على العمل من لا يحسنه، أفسده، وأضاع الثمرة المرجوّة منه.
«وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ» .
مكنّا: من التمكين، أي مكّنا له، وثبّتنا مكانه ووثقنا أمره.
يتبوأ: ينزل، ويحلّ.
والمعنى: أنه بهذا التدبير الذي كان من الله، أصبح يوسف ممكّنا فى الأرض، ذا سلطان فيها، يفعل ما يشاء، ويمضى ما يريد، غير واقع تحت سلطان أحد.. وأنه لا خوف من مثل هذا السلطان المطلق، الذي قام عليه حارسان لا يغفلان، هما الحفظ للأمانة، والعلم بمواقع الخير للناس.
- وفى قوله تعالى: «نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ» إشارة إلى أن هذا فضل من فضل الله على هذا العبد من عباده، ساقه الله سبحانه وتعالى إليه من غير