عليه فى سجنه- نقول: ربما كان لذلك آثاره فى تفكير الرجل، وفى ذاكرته على وجه خاص.. فما أكثر ما تضم السجون بين جدرانها من عذاب، يرى المبتلون به شواهد من عذاب القيامة قبل أن تقوم!! «يُوسُفُ.. أَيُّهَا الصِّدِّيقُ.. أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ» هنا أحداث صغيرة وقعت، قبل أن يلتقى الرجل بيوسف، وقد ضرب القرآن الكريم عن ذكرها صفحا، لأنها مفهومة من السياق أولا، ولأنها لا يتعلق بذكرها فائدة، ثانيا..
فالرجل حين قال: «أنا أنبئكم بتأويله» أثار فى الناس- وخاصة الذين دعوا إلى تأويل رؤيا الملك، تساؤلات كثيرة، فكان من أقوال الناس له:
كيف تفعل أنت هذا الذي لم يستطعه العلماء وأهل الخبرة؟ ومن أين لك هذا العلم؟ إلى غير ذلك من الأسئلة المنكرة عليه ما قال! ثم لا بدّ أن الرجل أوضح لهم الأمر.. فقال إننى لست أنا الذي أنبئكم بتأويله، ولكن هناك فى السجن رجل يعلم ما لا تعلمون من تأويل الأحلام..
وأن هذا الرجل هو يوسف، فأرسلون إليه.. فأرسلوه إليه.
ثم إنه حين دخل على يوسف بدأه بما جاء إليه من أجله.. وقد كان من الطبيعي أن يجرى بينهما حديث وحديث، قبل أن يذكر له ما أراد منه.. ولكن اللهفة إلى إسعاف الملك بما يذهب بحيرته، صرفته عن كل شىء! - وفى قوله تعالى: «أَيُّهَا الصِّدِّيقُ» إقرار من الرجل بما عرف من يوسف من صدق، فيما أوّل له ولصاحبه من رؤيا..