مفهوم، له معقول.. فكيف يجدون تأويلا لهذه الأخلاط من الأحلام، وهم لا يعلمون تأويل الأحلام ذاتها؟ إن تأويل الحلم وحلّ رموزه يحتاج إلى بصيرة نافذة، وقلب ملهم، وهذا أمر غير ميسور، لا يقع إلا لقلة قليلة من الناس، ثم لا يكون لهم مع ذلك القدرة على تأويل كل حلم، فكيف بأضغاث الأحلام؟

والأحلام هى من واردات العقل الباطن للإنسان، كما يقول علم النفس الحديث، أو هى من حديث النفس إلى صاحبها، وللنفوس أحاديث ذات منطق خاص بها، لا يلتقى كثيرا مع منطق الحياة، على مألوف الإنسان منها..

فحديثها فى الغالب إشارات ورموز، لا يستجلى مراميها إلا أهل البصيرة النافذة..

ولعل فى قوله تعالى عن يوسف عليه السلام: «وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ» .. لعل فى هذا ما يشير إلى أن المراد بالأحاديث، هو الأحلام، وهى من حديث النفوس إلى أصحابها..

ويشهد لهذا المعنى الذي ذهبنا إليه أن أبرز ما فى حياة يوسف عليه السلام، كان من منطلق الرؤيا التي رآها فى أول حياته.. والتي ذكرها القرآن الكريم فى قوله تعالى على لسانه: «إنى رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين» .. وقد أولها له أبوه.. ثم أعلمه أن الله سبحانه وتعالى سيجتبيه ويعلمه من تأويل الأحاديث كما يقول سبحانه على لسان يعقوب:

«وَكَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ» .. وذلك لما رأى من ابنه يوسف هذه النفس الصافية التي تتحدث إليه هذا الحديث.. فهو بمثل الحديث الذي تحدثه به نفسه، يأخذ، وبه يعطى.! ثم كانت بعد هذا تلك المواقف التي وقفها يوسف فى تأويل الأحلام، لصاحبى سجنه، ثم للملك، وعن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015