يبذل فيه المال الكثير، بمال قليل.. «دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ» ! ولو عرفوا قدر هذا الجوهر الكريم الذي فى أيديهم لضنّوا به، ولبالغوا فى الثمن الذي يطلبونه فيه، إن كان لا بد لهم من بيعه.. ولكنهم كانوا تجار أمتعة، لا تجار نفوس! ونقدة أموال، لا نقدة رجال!! - وفى قوله تعالى: «وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ» تشنيع على جهلهم بأقدار الرجال، وعمى بصيرتهم عن الكشف عن معادن النفوس! ..

«وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ» ..

وها هو ذا يوسف ينتقل من يد إلى يد حتى يقع أخيرا ليد رجل من مصر..

وإذن فيوسف الآن فى مصر.. فهل يستقرّ به المقام فيها، أم تتناقله الأيدى من بلد إلى بلد، ومن مصر إلى مصر؟

تحدّثنا الآية الكريمة من أول الأمر أنه سوف يستقر به المقام فى مصر وأنه سيكون ابنا من أبنائها..

فالرجل الذي اشتراه من مصر، قد ضمّه إليه، واتخذه ابنا له، إذ لم يكن له ولد، ودعا امرأته إلى أن تكرمه، وتتولى تربيته، وتنشئته، على أنه ابنها..

وهكذا يجد يوسف فى مصر أهلا بدل أهله، وأبا وأمّا مكان أبيه وأمه.

وهكذا صنع الله ليوسف.. وليس هذا فحسب، فإنه سيصنع له أكثر وأكثر..

فسيمكن الله له فى الأرض، ويعلمه من تأويل الأحاديث، كما قال له أبوه من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015