«فَصَبْرٌ جَمِيلٌ» .. فذلك هو عزاؤه عن مصابه فى ابنه، وفى بنيه أيضا! «وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ» .. أي إنه سبحانه وتعالى هو الذي يمدّه بالعون على احتمال ما حملت إليه هذه القصة الملفقة من أنباء تصف هذه الفاجعة، وتصور تلك المأساة.

«وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ» .

وتطوى الأحداث على عجل، وينتقل المشهد فى سرعة خاطفة، إلى حيث يوسف فى الجبّ، يعانى ما يعانى من وحشة، وخوف، وجوع..!

وهنا تلوح «سيّارة» أي جماعة من المسافرين، يمرّون بالجبّ ويحطّون رحالهم على مقربة منه، ليستقوا، ولتستقى دوابّهم، ثم ليتزودوا بما يقدرون على حمله من الماء..

- «وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ» .. هكذا جاءت السيارة كما قدّر أبناء يعقوب..

لأن الجبّ على طريق يصل بين الشام ومصر، ويكثر عليه مرور القوافل المسافرة.. وفى مجيئها تباطؤ وثقل.. إنها على طريق طويل، قد كلّت، وأعياها السير! نجد ذلك فى الفعل «وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ» .. ففى واو العطف، والتقائه بحرف الجيم الممدودة هذا اللقاء المتثاقل المتمطّى، وفى مدّة الجيم، كما يقتضيها الترتيل القرآنى- فى ذلك كلّه، ما يوحى بأن القافلة فى غفلة تامة عن هذا الإنسان الذي فى الجبّ، يعالج سكرات الموت، وهى التي يسوقها القدر إليه، لتنقذه، ولتمسك عليه حياته.. وهنا يبلغ المشهد حدّا بالغا من التأزّم، تبهر معه الأنفاس، وتضطرب القلوب، وتذهب النفوس عن الحاضر الذي تعيش فيه، لتقف وراء هذه القافلة تستحثّها، وتصرخ فيها، لتدرك هذا الذي احتواه الجبّ، واشتمل عليه الهلاك!!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015