وطبيعى أن هذه الدعوة قد أغرّت عامة الناس على الاندفاع وراءها فى هوس مجنون إذ فتحت أمامهم أبوابا فسيحة يدخلون منها إلى ما يشتهون..
وينالون من قريب كل ما يحبون.. ولكن سرعان ما اصطدم الناس بالواقع، بعد أن صحوا من هذا الحلم الجميل، وأفاقوا من تلك الهلوسة المحمومة.
فلم يروا بين أيديهم إلا سرابا خادعا يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا..
ذلك أن الناس فى ظل هذه الدعوة، تستولى عليهم مشاعر الأثرة والأنانية، التي تحملهم على أن يأخذوا دون أن يعطوا، وأن يحصدوا من غير أن يزرعوا.. وهذا من شأنه أن يحيل الخصب جدبا، والعامر خرابا.. ثم ينتهى الأمر أخيرا إلى استبداد الأقوياء بالضعفاء، استبدادا دونه ما يجرى فى الغابة بين عالم الحيوان! يأكل قويّهم ضعيفهم فى غير شفقة أو مرحمة، ثم تجىء الخاتمة المفجعة، فإذا كلهم مأكول بيد الضياع والفناء.. وحسبنا أن نذكر هنا ما كان من دعوة «مزدك» ودعوة «بابك الخرّمى» .. فقد كانتا أشبه بإعصار عات لفّ الناس فى كيانه، وحملهم على جناحه، ثم ألقى بهم من حالق.. فكانوا فى الهالكين! الاختلاف إذن بين الناس، ووضع كل إنسان موضعه فى الحياة، حسب استعداده، هو الذي يمكّن للمجتمع الإنسانى أن يحيا حياة خصبة، تملأ هذه الدنيا خيرا يسعد به الناس جميعا، ويتساقون كئوسهم فيما بينهم..
وغاية ما هو مطلوب هنا- كى تطيب للناس حياتهم، وينتظم خطوهم فى موكب الحضارة والمدنية- هو أن تقوى بينهم مشاعر الأخوة الإنسانية، وتؤلّف بين قلوبهم عواطف التراحم، والتوادّ، حتى يتخففوا من دواعى الأثرة والأنانية.. وهذا ما جاءت له الشرائع السماوية، وما قامت من أجله