ينظر إلى هذه القضية من خلال العقيدة الدينية، ولم يقمها على مقررات النصوص القرآنية، بل نظر إليها نظرا قائما على واقع الحياة، وما ينطق به هذا الواقع الذي هو التطبيق العملي لما قررته الشريعة، ونطقت به كلمات الله..
فالاختلاف بين الناس على هذا الوجه الذي يشمل ماديات حيلتهم ومعنوياتها جميعا، هو سنة الله فى خلقه، وحكمه الواقع عليهم، بحيث لا انفكاك لهم منه أبدا.!
- فقوله تعالى: «وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ» .. هو القانون السماوي الذي يحكم أوضاع الناس فى هذه الدنيا.. حيث لا تستقيم حياتهم، ولا ينتظم أمرهم إلا بهذا الاختلاف الواقع بينهم، والذي لو ارتفع من دنياهم لجمدوا فى أماكنهم، كما يجمد الدم فى جسد فارقته الحياة، وفى هذا يقول الرسول الكريم: «الناس بخير ما تباينوا (أي اختلفوا) ، فإذا تساووا هلكوا» .
والاختلاف الذي تشير إليه الآية الكريمة، ويحدّث به الرسول الكريم ليس بالاختلاف الذي يفرق بين الناس، ويعزل بعضهم عن بعض ويضع بعضهم فى مكان السادة، على حين يضع بعضهم الآخر فى منزلة العبيد.. كلا، إنما هو اختلاف فى المنازع والمشارب، وفى الملكات والحظوظ، كما يختلف الإخوة الأشقاء، فى منازعهم ومشاربهم، وفى ملكاتهم، وحظوظهم من الحياة.. بحيث لا يجعل هذا الاختلاف بينهم ميزة لأحدهم على الآخر، فى الحقوق والواجبات، المنوطة بالإنسان، من حيث هو إنسان.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ» .. فهذا الاختلاف بين الناس، الذي جعلهم شعوبا وقبائل، هو سبب التعارف بينهم، وهو الذي يعطى كل