وهكذا.. ليملئوا كل فراغ على الأرض، ويسلكوا كل سبيل فيها.. فيكون منهم الزارع والصانع، والتاجر، وراكب البحر، وساكن الفلاة، وصاحب القصر، وصاحب الكوخ! تلك هى مشيئة الله فى عباده، وإرادته النافذة فيهم، وحكمته المقدّرة لكل شىء قدره! يقول الجاحظ فى تعليل هذا الاختلاف بين الناس، وتباين حظوظهم فى هذه الدنيا: «اعلم أن الله تعالى إنما خالف بين طبائع الناس ليوفق بينهم! «ولم يحبّ أن يوفق بينهم فيما يخالف مصلحتهم! «لأن الناس لو لم يكونوا مسخرين بالأسباب المختلفة، وكانوا مخيّرين فى الأمور المتفقة والمختلفة، لجاز أن يختاروا بأجمعهم الملك والسياسة، وفى هذا ذهاب العيش، وبطلان المصلحة، والبوار والتّواء (?) ..
ثم يقول الجاحظ:
«ولو لم يكونوا- أي الناس- مسخرين بالأسباب، مرتهنين بالعلل، لرغبوا عن الحجامة أجمعين، وعن البيطرة، والقصابة والدباغة (?) ولكن كل صنف من الناس مزيّن عندهم ما هم فيه، وممهل عليهم..
«فالحائك إذا رأى تقصيرا من صاحبه أو سوء خدمة، أو خرقا، قال