ما يكشف عن تلك الحال السيئة التي يعانيها هؤلاء الذين شقوا.. إنهم لا يتنفّسون كما يتنفّس النّاس، فيأخذون الهواء شهيقا، ويتنفسون أنفاس الحياة منه، ثم يلقونه زفيرا، بعد أن يأخذ الجسم حاجته منه.. كلا، وإنما همّهم كلّه هو أن يلقوا بهذا الهواء الذي تغلى به صدورهم، فهم فى «زفير» متصل متقطع.. وأما الشهيق فهو نار تلظّى، لا يكاد أحدهم يأخذ جرعة منه حتى يردّها زفيرا.. ثم يعيدها شهيقا.. وهكذا: يتنفّسون نارا، من داخل صدورهم، ومن خارجها على السواء..

«خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ.. إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ» أي أنهم يظلّون فى هذا العذاب أبدا، لا يتحولون عنه، «ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ» .. والسماوات باقية، والأرض باقية.. فحياتهم فى النّار مرتبطة ببقاء السماوات والأرض.. فهل عندهم من حيلة ليبدّلوا هذا النظام القائم؟ فليحاولوا إذن.. ولينطحوا هذا الصخر.. إن كان فيهم بقية من قدرة على أن يحرّكوا رؤسهم! «إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ» لا يملك أحد معه شيئا، ولا يستطيع أحد أن ينقض من حكمه شيئا..!

«وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ» ..

العطاء غير المجذوذ: أي غير الناقص.. أي عطاء كاملا، ونعمة سابغة، لا يدخل عليها ما يكدر صفوها، أو يذهب بشىء من لذاذاتها التي وجدوها فى أنفسهم لها..

وهنا سؤال.. وهو: ماذا يراد بقوله تعالى: «إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ» ؟ وهل هو استثناء داخل على تأييد الخلود فى النار أو فى الجنة، الذي يفهم من قوله تعالى:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015