هكذا كان منطق القوم مع تلك الدعوة الكريمة، ومع هذا النبي الكريم.. يسخرون منه، ويسفّهونه، ويستحمقونه، وهم- على ما كانوا يعهدون منه- الحليم الرشيد.. «إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ» .
والحليم: من الحلم، وهو العقل.. وهو ضد السفاهة، والجهل..
كما يقول الشاعر:
أحلامنا تزن الجبال رزانة ... وتخالنا جنّا إذا ما نجهل
والرشيد، ذو الرشد، وهو الكامل العقل..
وكذلك كان شعيب عليه السلام، غاية فى كمال العقل. وسلامة الإدراك.
«قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ.. إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ» .
وبمنطق الحليم الرشيد، يردّ شعيب على قومه: «يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً؟» .
أي إذا كان هذا ظنكم بي، وتقديركم للدعوة التي أدعوكم إليها، فكيف يكون الحال لوأننى كنت على بينة من ربّى، وعلى نور وهدى منه، وأن ذلك رزق حسن رزقنى الله إياه، وأنا أدعوكم إلى مشاركتى فى هذا الرزق الحسن- كيف يكون الحال إذن لو فاتكم حظكم من هذا الخير الذي أرتاده لكم وأوردكم موارده؟ .. إننى لا أبغى من وراء هذا الذي أدعوكم إليه إلا خيركم ورشدكم، وصلاح أمركم، وما أريد أن أصرفكم عن هذا الذي أنها كم عنه لأخلفكم عليه، وأستأثر به دونكم.. فما أنتم عليه إلا الضلال، وإلا الهلاك، الذي ليس للعاقل إلا اجتنابه، والفرار منه.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى