وأنه عذاب لا يفلت منه من حقّ عليه، ووقع تحت حكمه..

«وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ» القسط، والقسطاس: العدل.. والبخس: النقص، واغتيال الحقوق..

وبخس الشيء: عدم أدائه على وجهه كاملا..

ولا تعثوا فى الأرض: عاث، يعيث عيثا، أي ضرب فيها من غير مبالاة، فيكون من ذلك التخبط والفساد.. ولهذا لا يستعمل هذا الفعل إلا مقترنا بالفساد.. تأكيدا له، واستخراجا لمحتواه ومضمونه.

وفى إعادة لوط دعوته إلى قومه بالوفاء بالكيل والميزان، توكيد لهذه الدعوة وتقرير لها، فهو قد نهاهم أولا عن إتيان هذا الفعل المنكر، ثم دعاهم إلى إتيان ما ينبغى لهم إتيانه، بعد أن ينتهوا عما نهوا عنه.. وهو أن يوفوا المكيال والميزان، وبهذا يجىء المطلوب منهم على وجهه كاملا.. فقد ينتهى المرء عن الشيء المكروه، ولكنه لا يفعل المحبوب الذي يقابله.. وذلك وقوف منه عند منتصف الطريق إلى الغاية المدعوّ إليها من بلوغ الخير.. وهو موقف سلبى، لا ترضاه الحياة منه.. وإنه لحسن أن ينتهى الإنسان عن الشر، ولكنه ليس بالحسن أن يكون أداة معطلة عن فعل الخير..

هذا، ولم يكرر شعيب دعوته لقومه إلى الإيمان بالله، لأنه جاءهم بها من أول الأمر، أمرا لازما: «اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ» ثم جاءهم بها فى دعوة تطبيقية لها، فى قوله تعالى بعد ذلك:

«بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ» أي أن ما تدخرونه عند الله من أجر، وما تستبقونه عنده مما يفوتكم من حظوظ الدنيا، هو خير لكم، وأبقى.. وإنكم لتعلمون هذا إن كنتم مؤمنين بالله،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015