- وفى قوله تعالى: «قالَ سَلامٌ» إشارة إلى أن إبراهيم قد أخذ بمجىء هؤلاء الرسل، وأنهم ظهروا فجأة فى بيته، فلم يدر من أين جاءوا.. فأنكرهم ولكنه لم يردّهم، وإنما ردّ عليهم تحيتهم ردّا خاطفا، متجمّلا، يحمل أمارات الاستفهام والتعجب والإنكار، والخوف.. «قالوا سلاما، قال.. سلام!» وإلى هذا يشير قوله تعالى فى آية أخرى: «إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ» (25: الذاريات) .. ويقول سبحانه فى آية أخرى كذلك: «وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ، إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ» (51- 53: الحجر) ..
فكان التبشير بالغلام على كبر ويأس، هو الذي يذهب بكل ما وقع فى نفس إبراهيم من خوف ووجل، سواء أكان وجلا عارضا من ظهور الملائكة له على تلك الصورة، أم وجلا سكن فى نفسه من فوات الأوان لإنجاب ولد! قوله تعالى: «فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ» .
ولقد تكشف لإبراهيم من القوم ما قوّى ظنونه فيهم، وأنهم على حال لا تبعث على الطمأنينة من جهتهم، فها هو ذا يقدّم لهم ما يقدّم للضيّفان، فلا يأبهون له، ولا يمدون أيديهم إليه.! وهنا تتحرك دواعى الشك فى نفسه، وتسرى رعشة الخوف فى كيانه، ولكنه يغالب خوفه، ويمسك به فى صدره- كما يقول سبحانه- «وأوجس منهم خيفة» أي وجد فى نفسه خوفا..
فيسأل القوم سؤال المنكر المستريب: «ألا تأكلون؟» (27: الذاريات) - «قالوا لا تخف» إنا رسل ربك.. «إنا أرسلنا إلى قوم لوط» .. فيسكن لذلك روع إبراهيم، وتطمئن نفسه، ويعلم أنهم رسل الله، قد أرسلوا بالهلاك