- والضمير فى قوله تعالى: «منه» يعود إلى الله سبحانه وتعالى.. وهو- جلّ شأنه- وإن يكن لم يجر ذكره فى اللفظ، فهو مذكور على كل حال، وفى كل زمان، ومكان، وفى هذا إشارة إلى أن ما فيه الضالون من غفلة عن الله، وشرود عن ذكره، هو أمر خارج عن مقتضى الطبيعة الإنسانية السليمة الرشيدة..
قوله تعالى: «فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ» .
هذا هو الجواب الذي استقبله نوح من قومه، ردّا على دعوته إياهم، إلى الإيمان بالله..
«ما نراك إلا بشرا مثلنا» .. فهذا هو ما رابهم من أمر نوح ومن دعوته..
إنه بشر مثلهم.. وليس لبشر- كما قدّروا ضلالا وجهلا- أن يكون أهلا للسفارة بين الله والناس! وقد كان الأولى بهم أن ينظروا أولا فى وجه الدعوة التي يدعوهم إليها رسول الله، قبل أن ينظروا فى وجه هذا الرسول.. فإذا كانت دعوة فيها خيرهم ورشدهم، كان من الحكمة والرأى، أن يقبلوها، ولا ينظروا فيما وراءها..
وإلا كان لهم أن يقفوا منها الموقف الذي يدلّهم عليه العقل والرأى..
- وقوله تعالى: «وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ» هو إشارة إلى مدخل من مداخل الريب والشك عندهم، فى أمر نوح وفى دعوته، وهو أن الذين استجابوا لنوح، هم من ضعفة القوم والمرذولين فيهم، والرّذل من كل شىء هو الخسيس منه..