ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ.. قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ»
(91: الأنعام) .
فإذا لم يكن فى الكتاب الذي جاء به محمد ما يرون فى وجهه أنه من عند الله- عمى منهم، وكفرا وعنادا- فليكن لهم فى واقع التاريخ ما يمسك بهم عن المكابرة، أن يقولوا ما أنزل الله على بشر من شىء.. فذلك إنكار لواقع محسوس، حيث هؤلاء الرسل الذين ذكرهم التاريخ، وحيث هذه الكتب السماوية التي يدين بها ألوف البشر.. وهذه التوراة.. كتاب موسى، وهؤلاء هم اليهود الذين يدينون بها.. فكيف يسمح لعاقل عقله أن يقول: ما أنزل الله على بشر من شىء..؟
- فى قوله تعالى: «أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ» ..
الإشارة هنا بأولئك، موجهة إلى المذكورين فى قوله تعالى: «أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ» .. وقد استخدم القرآن الكريم، الاسم الموصول «من» بلفظه أولا، فأفرد العائد إليه، ثم استخدمه بمعناه ثانيا، فجمع العائد إليه..
وفى الإفراد، والجمع، إعجاز من إعجاز القرآن..
ذلك أن الإيمان بالله، عن طريق الاستدلال العقلي، وعن النظر فى ملكوت السموات والأرض، ثم عن الاستماع إلى آيات الله، وتفهم ما فيها من حق وخير- هذا الإيمان لا يكون إيمانا حقا إلا إذا كان عن معاناة ذاتية، ونظر شخصى.. بحيث يرى الإنسان مواقع الهدى بنفسه، ويتبيّن وجه الحقّ بعقله.. وهنا يفتح قلبه للإيمان، وينزله منزلا مطمئنّا فيه، لأن إيمانه حينئذ قد جاء إليه عن طريق نظره، وإدراكه، واستدلاله، لا عن تلقين، أو محاكاة..