ثم تأخذ السورة بعد ذلك فى عرض قدرة الله، وما أبدع وصوّر فى هذا الوجود، وفيما يقع لنظر الناظرين فيه من دلائل وجود الله، وعلمه، وحكمته..
فأخذ بعض الناس بحظهم من النظر السّليم فآمنوا، وزاغت أبصار كثير منهم، فكفروا.. ثم تعرض السورة بعضا من مشاهد القيامة، وما يلقى الكافرون المكذّبون من بلاء وعذاب، وما ينال المؤمنون من نعيم ورضوان.. ثم تعود فتنقل النّاس من مشاهد القيامة إلى هذه الدنيا التي هم فيها، وتعرض لأبصارهم ما أخذ الله به الظالمين، من القرون الماضية، من بأسه ونقمته، على حين عافى المؤمنين من هذا البأس وتلك النقمة، وأولاهم عزّا ونصرا..
ثم تختتم السورة بهاتين الآيتين، بهذا الإعلان العامّ، الذي بدأت به، فتصل منه ما انقطع: «قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم» وهو هذا الكتاب الحكيم، الذي جاءكم من ربكم: «فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه» إذ ارتاد الخير لها، وغرس فى مغارس الخير، وهو الذي يجنى ثمر هذا الخير، ويضمه إلى يده، لا يناله غيره.. «ومن ضلّ فإنما يضلّ عليها» ، إذ عمى عن طريق الحق، وركب مركب الضلال، فإذا ورد موارد الهلاك، فلا يلومنّ إلا نفسه.. «وما أنا عليكم بوكيل» .. إذ ليس الرسول وكيلا عنهم، يعمل لهم، كما يعمل الوكيل لمن وكله عنه.. فليس أحد مغنيا عن أحد، ولا أحد موكّلا عن أحد، بل هى المسئولية الذاتية، يحملها كل إنسان عن نفسه..
إذ كان للإنسان وجوده، وكانت له ذاتيته وشخصيته، وبهذا فلا يصح أن يضع إنسان نفسه تحت وصاية أحد، أو يعفى نفسه من العمل، بإقامة وكيل عنه، لأن هذا الوكيل الذي يريد أن يقيمه، هو نفسه مطالب بالعمل لنفسه، وبتحصيل الخير لها.. حتى ولو كان رسول الله نفسه..
وفى هذا تكريم للإنسان، وتصحيح لوجوده، وتسليم بحقه الكامل فى