وثالثا: فى قوله تعالى: «آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها» - وفى هذا الحديث عن القرية بالماضي، وهو الذي لفت أنظار المفسرين إلى أنها من القرى الغابرة- فى هذا إشارة إلى أن المراد بالقرية هى مكة.. والحديث عنها بالفعل الماضي يشير إلى أن إيمانها قد تأخر كثيرا، وأنه كان المتوقع منها أن تكون أول من يستجيب للنبى.. لأنه أحد أبنائها.. تعرفه، وتعرف نسبه فيها، ونشأته بين أبنائها، وما عهدت فيه من صدق، وأمانة، وعفة، واستقامة، مما لم تعهده فى شبابها أو شيبها.. ولأنها تملك اللسان العربي الذي التقت عليه ألسنة العرب جميعا، والذي نزل القرآن به.. فهى أقدر العرب جميعا على النظر فى المعجزة التي جاءها بها هذا النبي، فى كتاب كريم، تنزيل من رب العالمين.
فلو أن هذه القرية استجابت للنبى الكريم من يوم أن حمل إليها رسالة ربه، ودعاها إلى الإيمان به، لنفعها إيمانها، ولكانت فى ذلك الوقت، الذي تسمع فيه قول الله هذا، على حال غير حالها تلك، وعلى صفة غير صفتها هذه، التي هى عليها الآن، من كفر، وضلال..
- وفى قوله تعالى: «إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ» .
فى هذا ما يسأل عنه، وهو:
ما معنى «إلا» الاستثنائية هنا؟ وأين المستثنى منه؟
ونقول إن «إلا» هنا ليست أداة استثناء، وإنما هى حرف استدراك بمعنى «لكن» .. ولما كان الاستثناء، يفيد فى مضمونه معنى الاستدراك والتعقيب على المستثنى منه فقد حسن استعمال «إلا» مكان «لكن» إذ كانت قرية يونس تكاد تكون استثناء بين القرى التي جاءها رسل الله، فكفرت، ولم يؤمن منها إلا هذه القرية. فأداة الاستثناء هنا تفيد استثناء