وثانية هاتين الإشارتين: ما فى اختلاف التعبير عن ضوء الشمس «بالضياء» ونور القمر «بالنور» هكذا: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً» .
وذلك أن الضوء نور ذاتىّ، ينبعث من جسم مشعّ له، بفعل الحرارة النّاريّة المتوقّدة فى هذا الجسد.. ومن هنا كان الضوء مشتملا على حرارة، دائما.. فلا ضوء إلّا عن حرارة متوقدة، ولا حرارة إلا ومعها ضوء..
وهذا هو السرّ فى ندائه صلى الله عليه وسلم لجماعة كانت توقد نارا بقوله لهم:
«يا أهل الضوء» .. ولم يقل لهم: «يا أهل النّار» تحاشيا لهذه الكلمة التي ربما انصرفت إلى نار جهنم فمسّهم منها وعيد، أو وقع لهم منها تطيّر وتشاؤم..
فعليك صلوات الله وسلامه يا رسول الله.. ما أعظم خلقك، وما أروع أدبك.. وكيف لا يعظم خلقك وقد سوّاك ربّك فى أحسن تقويم، وحلّاك بكل كمال وجمال، فقال سبحانه فيك: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» وقلت أنت فى مقام التحدّث بنعمة الله وقد رأيت ما خلع الله عليك من كمال وجمال: «أدّبنى ربّى فأحسن تأديبى» ذاكرا فضل ربك، شاكرا نعماءه؟.
والضوء والنار.. بمعنى واحد..
وضوء الشمس.. ضوء ذاتى، صادر من جسم نارى ملتهب..
أما نور القمر فهو غير ذاتىّ، لأنه صادر من جسم بارد معتم، وقع عليه ضوء الشمس، فانعكس منه على الأرض، هذا النور، الذي لا يحمل شيئا من حرارة الضوء..
والضوء يحمل مع النّور حرارة.. والنور، نور خالص، لا حرارة فيه..
الضوء متوهّج، متّقد، متماوج، مضطرب.. والنور لطيف، هادىء،