تكون حينئذ حياة الناس، ولا دنيا البشر.. بل هى حياة الملائكة، أو عالم الجهاد.. وليس الناس ملائكة ولا جمادا.. وإنما هم بشر.. فيهم المحسن والمسيء، ومنهم الطيب وفيهم الخبيث.. والإنسان ذاته يحسن ويسىء، وبطيب ويخبث.. وليس فى الناس الطيب الخالص، ولا الخبيث المحض، وإنما الناس هذا وذاك، والإنسان من هذا ومن ذاك! وقد يبدو لسائل أن يسأل: إنك تقول: إن مجازاة المحسن على إحسانه بالأسلوب «الفورىّ» فى الدنيا يجعل منه تاجرا يتجر بالفضائل، ويجعل من تلك الفضائل سلعا.. وفى ذلك إزراء بالفضائل وإنزال من قدرها..
أفلا يكون هذا المعنى قائما مع الجزاء المؤجل ذاته؟ وما الفرق بين أن يلقى المحسن جزاء إحسانه اليوم، أو غدا، أو بعد غد؟
أليس الذي يلقاه فى الدنيا، أو الذي يلقاه فى الآخرة من جزاء على إحسانه، هو ثمن لهذا الإحسان؟
إنه هنا فى الدنيا، يلقى الحسنة بالحسنة والخير بالخير.. ولكنه هناك فى الآخرة، يلقى الحسنة بعشر أمثالها، وبأكثر من عشر أمثالها، ويلقى الخير مضاعفا أضعافا كثيرة.. فأى الجزاءين يكون فيه الإنسان تاجرا يتجر فى الفضائل ويتعامل بها فى جشع ونهم؟ أذلك الذي يباع فيه الشيء بمثله، أو ذاك الذي يباع فيه بعشرات أمثاله؟
ونقول: إن هذا التقدير قائم على حساب غير دقيق.. ذلك أن الجزاء الفورىّ، هو مناولة يد بيد، ليس فيه مخاطرة كالتى تكون فى بيع العاجل بالآجل.. وكون الآجل أضعافا مضاعفة للعاجل لا يرفع عنه خطر المخاطرة، وخاصة ذلك الأجل الطويل، الذي يمتدّ أزمانا لا يعرف المرء مداها، والذي