وقد استشفّ بعض الصالحين هذه الظاهرة، ووقع على السرّ الكامن فيها.. حين نظر فوجد أن الأطفال يتحكمون فى الكبار، حيث ينزل الكبار إلى مستواهم، يلاعبونهم، ويلاطفونهم، ويجدون السعادة والرضا فى خدمتهم والسهر على راحتهم..
وقد علّل ذلك بأن الطفولة أقرب عهدا بالله، وأطهر نفسا، وأصفى روحا.
فهى فى صفائها وطهارتها أقرب ما تكون إلى الملائكة، ومن هنا سخّر الله سبحانه وتعالى الكبار لخدمة الصغار.. والأخيار الصالحون أقرب ما يكونون إلى الأطفال، فى براءتهم وطهرهم.. ومن هنا كان سلطانهم على الناس، ومكانتهم فيهم أشبه بسلطان الطفولة القاهر على الآباء وغير الآباء.. إنهم أقرب إلى الله من كل عباد الله.. ومن كان من الله أقرب، سخّر له من كان من الله أبعد، ومن كان فى طاعة الله، كان الناس فى طاعته! كان أبو عبد الله التونسى فى مدينة تلمسان، مشهورا بين الناس بالصلاح والتقوى، فمرّ به يحيى بن يقان حاكم تلمسان فى خدمه وحشمه، فقيل له: هذا أبو عبد الله التونسىّ، فمسك لجام فرسه، وسلم على الشيخ، فردّ عليه السلام، وكان على الملك ثياب من فاخر الحرير، فقال يا شيخ: هذه الثياب التي أنا لابسها أتجوز لى الصلاة فيها؟
فضحك الشيخ، فقال الحاكم: ممّ تضحك؟ قال: من سخف عقلك، وجهلك بنفسك وحالك، مالك تشبيه عندى إلا بالكلب، يتمرغ فى دم الجيفة وأكلها وقذارتها، فإذا جاء يبول يرفع رجليه، حتى لا يصيبه البول! «وأنت وعاء ملىء حراما، وتسأل عن الثياب، ومظالم العباد فى عنقك؟
قالوا: فبكى الحاكم، ونزل عن فرسه، وخرج عن سلطانه من حينه، ولزم