ولكن الحقيقة كامنة وراء هذا الظاهر الذي تقف على حدوده الأبصار الكليلة، والبصائر المغلقة..
فلو ذهب ذاهب يفتش عن هذا الإنسان، لوجد باطن أمره على خلاف ظاهره.. وأنه وإن بدا فى مرأى العين فقيرا، فهو فى واقعة غنىّ، وأنه إن حسب فى عداد الناس شقيّا فهو عند نفسه سعيد، وأنه إن عدّ فى منازل الرجال قزما قميئا، فهو طوال عملاق، لا يقاس به أطول الرجال، وأنه إن بدا ضعيفا هزيلا، فهو قوى جبّار، يضع قدميه فوق رءوس الأقوياء والجبارين..
فهذا الإنسان الذي لا تأخذه العيون، ولا تقف عنده الأنظار- هو قلب ينبض بالرضا، ونفس تتنفس السعادة، وروح تستروح الغبطة.. يجد برد العافية يمس كل مشاعره ووجداناته، وأنسام النعيم تعطر الحياة من حوله، فيخطر فيها متراقصا كما يتراقص الفراش على أزهار الرّبا! وإن هذا الإنسان الذي لا نشبع بطنه من لقمة العيش.. هو قائم على مائدة حافلة بالطيبات من المثل الكريمة الفاضلة، يتخير منها ما يطيب له، لغذاء عواطفه ومشاعره..
وهذا الإنسان الضعيف الهزيل، الذي لا يكاد تحمله قدماه.. هو نسر يضرب بجناحيه فوق هذا العالم الترابي، محلقا فى سماوات لا حدود لها، حتى ليكاد يطاول النجوم فى أفلاكها..
أتريد لهذا شاهدا يشهد لما نقول؟
اقرأ سير الأبطال- أبطال الإنسانية الحقيقيين- الذين كانت دنياهم جنة من جنات الله على هذه الأرض.. فعرفوا طعم السعادة، ورضعوا أخلاف النعيم،