وثالثا: ليس المحسنون والمسيئون على سواء من رحمة الله.. فالمحسنون أقرب إليها، وأكثر تعرضا لها، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: «إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ» . والمسيئون وإن يعدوا عن رحمة الله، فليس ذلك بالذي يحجبهم عنها، ويحرم بعض المسيئين منهم حظهم منها، وذلك لمشيئة الله فيهم، وإرادته بهم.. كما يقول سبحانه: «نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ» .
وأما قوله تعالى: «وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى» وقوله سبحانه: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ» .. فهو الميزان الذي يوزن به عمل كل عامل، وسعى كل ساع.. ومع هذا، فإن الله يضاعف للمحسنين إحسانهم، وأنه سبحانه إذ يرى المحسن عمله لا يقف به عند هذا العمل، بل يفضل عليه بأضعاف ما عمل..
وكذلك المسيء، إذا كان لا يقدم على الله إلا بما سعى، وما حصّل من سيئات، فإنه ليس من حرج على فضل الله أن يتجاوز عنه.. ليرى آثار رحمة الله فيه.. وذلك رهن بمشيئة الله وتقديره.. «وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» .. يقضى بعلم، ويحكم بحكمة.. والله سبحانه وتعالى يقول على لسان المسيح عليه السلام:
«إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ..» .
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (107) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)