يبلغ جهدهم، وتحتمل عزماتهم.. وهكذا يدخل المسلمون جميعا، بل الناس جميعا، تحت قوله تعالى: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ» .. ففى ذلك فليتنافس المتنافسون، ولهذا فليعمل العاملون.. قوله تعالى: «وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ» بعد هذه الصورة المشرقة التي عرضتها الآية السابقة لأهل السبق والإحسان وما أعدّ لهم من نعيم، وما أسبغ عليهم من رضا- جاءت هذه الآية لتعرض صورة معتمة طامسة، لأهل الزيغ والضلال، وتكشف عن وجوه منكرة للإنسانية حين تفسد فطرتها، وتشوه معالم إنسانيتها.. وذلك ليكون لهؤلاء المنافقين الضالين نظر فى أنفسهم، ورجعة إلى ربهم، إن كانت قد بقيت فيهم بقية صالحة لنظر واعتبار.
ففى الأعراب الذين حول المدينة منافقون، وفى المدينة ذاتها منافقون..
وهؤلاء وأولئك جميعا قد مردوا على النفاق، أي شبوا عليه، ورضعوا أخلاقه وهم شباب مرد، فمرنوا عليه، وخف عليهم محمله، إذ شب معهم وصار بعضا منهم، أشبه بالجارحة من جوارحهم..
وفى قوله تعالى «لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ» تهديد ووعيد لأولئك المنافقين الذين برعوا فى النفاق، وصاروا أساتذة فيه، حتى لا يكاد يطلع عليهم أحد، وهم يتعاملون به، ويتعاطون كئوسه مترعة! ولكن الله يعلمهم، وهو- سبحانه- الذي يتولى حسابهم ويأخذهم بذنوبهم، بل ويفضحهم فى هذه الدنيا، بما ينزل من آيات فيهم..
وقوله تعالى: «سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ» ..
اختلف المفسرون فى عذاب المنافقين مرتين.. ولم نجد عندهم ما نرضاه ونستريح إليه..