فمتابعتهم هى إحسان، وقوله تعالى: «بِإِحْسانٍ» هو توكيد لهذا الإحسان الذي تنطوى عليه المتابعة.. وهذا يعنى أن ما كان من السابقين من المهاجرين والأنصار، هو إحسان كلّه، فمن تابعهم، وتأسّ بهم على ما كانوا عليه، فهو محسن.. كل الإحسان!.
وقوله تعالى: «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» هو عرض كاشف لمنزلة هؤلاء الصفوة من عباد الله، وأنّ الله رضى عنهم، بما كان منهم من إحسان، وأنّهم رضوا، بما أرضاهم الله به، ونعموا فيه..
وفى قوله تعالى: «وَرَضُوا عَنْهُ» رضوان فوق رضوان من عند الله، يحفّهم به، ويزيدهم نعيما إلى نعيم.. إذ جعل الله سبحانه وتعالى رضاهم عنه بما أعطاهم معادلا لرضاه عنهم، حتى لكأنه سبحانه وتعالى، يتبادل الرضا معهم، فيرضى عنهم، ويرضون عنه.. فسبحانه، ما أعظم لطفه، وما أوسع فضله، وما أكرم عطاءه، وأسبغ إحسانه! قرئ: «والأنصار» بالرفع. على الاستئناف..
وفى هذه القراءة يكون قوله تعالى «وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ» مقصورا على المهاجرين وحدهم.. وهذه القراءة ينقضها التفسير العملىّ للآية الكريمة التي احتج بها أبو بكر رضى الله عنه على الأنصار، وجعلها مستنده فى تقديم المهاجرين على الأنصار، فقال فى خطبة «يوم السقيفة» مخاطبا الأنصار: «أسلمنا قبلكم، وقدّمنا فى الكتاب عليكم، فقال تعالى «وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ» فنحن الأمراء، وأنتم الوزراء..
وهذا يعنى أن الأنصار شركاء للمهاجرين فى هذا الفضل، الذي تطلب الخلافة به، وأن المهاجرين إذا كانوا أولا، فالأنصار ثانيا، كما جاء ذكرهم فى