واستروحت منه قلوبهم روح الطمأنينة واليقين.. فصحبوا هذا الدين صحبة المؤاخاة والمخالطة، وعايشوه معايشة الأمن والعافية، وأمسكوا به إمساك الأرض الطيبة هو اطل الغيث السّخىّ.. فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج. فإذا أنفق هؤلاء المؤمنون من الأعراب نفقة فى سبيل الله احتسبوها قربات يتقربون بها إلى الله، ويبتغون بها مرضاته، ويلتمسون منها صلوات الله وبركات دعائه..
وفى قوله تعالى: «وَصَلَواتِ الرَّسُولِ» بالعطف على قوله سبحانه:
«قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ» إشارة إلى أن صلوات الرسول، أي دعاءه لمن يقدّم له الصدقات، هى مما يتقرب به المتقربون إلى الله.. فهى صدقات إلى صدقاتهم، يضيفها الرسول إليهم لتزيد فى قربهم إلى الله..
فلقد، كان الرسول- صلوات الله وسلامه عليه- يصلّى على المتصدق، أي يدعو له، بالخير، والبركة، وذلك امتثالا لقوله تعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ» ..
وقوله تعالى: «أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ» هو توكيد للمفهوم الضمنى الذي أفاده عطف صلوات الرسول على قوله تعالى: «قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ» .. فهذه الصلوات والدعوات من الرسول هى قربة لهم عند الله، بمعنى أن دعاء الرسول للمؤمن، يعنى رضا الرسول عنه، وهذا الرضا هو فى ذاته قربة عند الله للمؤمن، ينال به رضا الله ومغفرته، سواء أكان دعاء الرسول ورضاه عن نفقة أنفقها المؤمن، أو عن كلمة طيبة قالها، أو مسعى حميد سعى به بين المسلمين، أو موقف كريم وقفه، أو مشهد حسن شهده.. وقد دعا الرسول- صلوات الله وسلامه عليه- لعثمان رضى الله عنه، حين أنفق ما أنفق فى تجهيز جيش العسرة فقال: «اللهم ارض عن عثمان فإنى أصبحت عنه راضيا» ! فكان عثمان بذلك أحد العشرة المبشرين بالجنّة.