وثانى الأمرين- وهو تبع للأمر الأول- أن يعرض النبىّ والمؤمنون عنهم، فلا يأخذونهم باللّوم، ولا يضعونهم موضع الاتهام..
وقد دعا الله النبىّ والمؤمنين أن يعرضوا عنهم، ولكن لا إعراض المصدّق أو المتسامح، بل إعراض المشمئز المتقزّز النافر من شىء كريه، تؤذيه رائحته: «إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» .. فإنهم لو سلموا من أذى النبىّ والمسلمين، فلن يسلموا من عقاب الله، ومن عذاب السعير المعدّ لهم..
قوله تعالى: «يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ» .
هو بيان لحلف يحلف به المنافقون، يريدون به أكثر مما يريده الذين حلفوا منهم، وكانوا يريدون به أن يعرض عنهم النبي والمؤمنون، فلا ينالوهم بأذى..
أما هؤلاء، فإنهم يبغون بحلفهم أن يرضى النبىّ والمؤمنون عنهم، وأن يخلطوهم بهم..!
وقد أيأس الله المنافقين من أن ينالوا بحلفهم هذا الرضا الذي طلبوه، وأنه حتى لو رضى النبي والمؤمنون عنهم- وهذا ما لا يكون أبدا- فلن يرضى الله عنهم: «فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ»
..
قوله تعالى: «الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» .
تشير الآية الكريمة هنا إلى ما للبيئة من أثر فى طبيعة الإنسان، وفى رسم معالم شخصيته، وتحديد مواقفه من الحياة.