للجزاء الذي هم أهل له، وللعقاب الذي لا بدّ هو واقع بهم، إن عاجلا وإن آجلا ...
ويشهد لهذا المعنى، قوله تعالى: «إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ» (42: الشورى) .. فهؤلاء الذين يظلمون الناس ويبغون فى الأرض بغير الحق، قد عرّضوا أنفسهم للنقمة والبلاء، وإنّه لا عاصم لهم يدفع عنهم هذا البلاء الذي سيحل بهم.. وقوله سبحانه: «فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا» (90: النساء) أي أن هؤلاء الكافرين الذين اعتزلوا القتال الذي بين المسلمين وبين الكافرين، وفاءوا إلى السّلم، ولم يبسطوا أيديهم أو ألسنتهم بأذى للمسلمين- فليس للمسلمين سبيل إلى قتالهم..
فانظر فى وجه هذا الكلام المشرق، تجد أنه كلام- وإن أخذ من أفواه الناس- قد نظمته بد القدرة، وجاءت به على هذا الإعجاز المبين.. فسبحان سبحان من هذا كلامه.
وقوله تعالى: «يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ.. قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» .
هو إخبار للنبىّ والمؤمنين، وإنذار للمنافقين وذوى الأعذار الكاذبة، إخبار بما سيكون من هؤلاء المنافقين والمعذّرين حين يلقون النبىّ والمؤمنين بعد عودتهم من غزوة تبوك- بما لفّقوا من أعذار، وما نسجوا من أكاذيب، يبرّرون بها تخلفهم عن الجهاد مع المجاهدين.