ما يُنْفِقُونَ»
- هو معطوف على قوله تعالى: «لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى..» أي ليس حرج على هؤلاء الذين أتوك لتحملهم، أي تهيىء لهم مركبا ينقلهم إلى ميدان الجهاد.. والخطاب للنبىّ صلى الله عليه وسلم، وقد جاءه جماعة من فقراء المسلمين، صحّت نيتهم على الغزو والجهاد، ولكنهم عجزوا عن أن يجدوا مركبا يركبونه، فجاءوا إلى النبىّ صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يحملهم معه فى جيش المجاهدين، ولم يكن بين يدى النبىّ، ولا فى جيش المسلمين ما يحملهم عليه، فقال لهم- صلوات الله وسلامه عليه: «لا أجد ما أحملكم عليه» .. فامتلأت نفوسهم أسى وحسرة، وفاضت دموعهم ألما وحزنا، أن فاتهم حظهم من الجهاد، وإن لم يكن فى أيديهم ما ينفقونه فى سبيل الله، وفى إعداد المركب الذي يحملهم مع المجاهدين: «تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ» .. وهؤلاء هم الذين عرفوا فى المسلمين بالبكائين.
وإذا كان بكاء الرجال مذموما فى كل موطن، إلّا أنه هنا فى هذا المقام- مقام التعامل مع الله- محمود غاية الحمد، بل ومطلوب من المؤمن أن يكون هنا حاضر الدمعة غزيرها.. وفى الحديث: «إن لم تبكوا فتباكوا» ..
فالدمعة هنا دمعة عزيزة على الله، لا تقع على الأرض، كما تقع دموع الباكين، فتضيع بددا.. وإنما تتلقاها ملائكة الرحمن، فإذا هى نهر جار من نور، يغمر فيه صاحبها، فإذا هو خلق من نور، أصفى من الجوهر، وأضوأ من شمس الضحى، يقول الرسول الكريم: «عينان لا تمسّهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس فى سبيل الله..» .
تم الجزء العاشر، ويليه الجزء الحادي عشر.. إن شاء الله المؤلف