إنهم أشكال متعددة، وأنماط مختلفة.. ولكنهم جميعا على طريق النفاق سائرون، وعلى نية التخلف عن الجهاد قائمون..
«وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ» ..
والمعذّرون هم أصحاب الأعذار ومختلقوها.. فخلق الأعذار واصطناعها هو عملهم، والصفة الغالبة عليهم.. كما يقال: المهندسون، والمعلمون.. فهم صناع الأعذار، لا صنعة لهم غير هذا..
والأعراب: جمع أعرابى، وهم سكان البادية.
وانظر فى وجه النظم القرآنى، يشهدك على هؤلاء الأعراب، وقد جاءوا من شتى الجهات، بعد أن سمعوا دعوة الرسول إليهم بقوله. «انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» - جاءوا لا لينتظموا فى صفوف المجاهدين، ولا ليقاتلوا فى سبيل الله، وإنما جاءوا ليعتذروا عن الجهاد، وليقدموا من المعاذير ما فى جهدهم، كما يقدم المجاهدون فى سبيل الله أموالهم وأنفسهم!! فما أتعس هذا المجيء، وما أشأم ذلك السعى! قوله تعالى: «وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ» هو الوصف الذي وصف به أولئك المعذّرون، والسّمة التي وسموا بها.. فهم الذين قعدوا متخلفين عن الجهاد، وهم الذين افتروا الكذب على الله ورسوله، بهذه الأعذار التي اختلقوها وجاءوا إلى النبىّ بها..
وفى هذا الخبر تهديد ووعيد لهم.. إذ ليس مرادا به الإخبار عنهم، وأنهم قعدوا، وإنما هو خبر يكشف عن جريمة غليظة، ويحدّث عن منكر عظيم..
وفى قوله تعالى: «وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ» حكم عليهم بالإدانة، وبأن هذه الأعذار التي اعتذروا بها إنما هى محض كذب وافتراء.. إذ هم الذين كذبوا الله ورسوله.. وقد عدل عن الضمير إلى الاسم الظاهر، ليعرضوا هذا العرض الكاشف عن كذبهم، ويسمعوا حكم الله عليهم..