وأن يكون ردّه عليهم إذا استأذنوه لقتال معه: «لن تخرجوا معى أبدا ولن تقاتلوا معى عدوّا» .. هكذا يلقاهم النبىّ بهذا الحكم القاطع، الذي لا استثناء فيه، ولا رجوع عنه.. «إنكم رضيتم بالقعود أول مرة» . أي أول مرّة دعيتم فيها للجهاد دعوة ملزمة لا تحل منها، وذلك فى غزوة تبوك التي ندب النبىّ لها المسلمين جميعا، كما أمره الله سبحانه وتعالى بذلك فى قوله: «انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ..» (41: التوبة) . فهذه أول مرّة يدعى فيها المسلمون دعوة عامة للجهاد بكل ما يملكون من أنفس وأموال..
وفى قوله تعالى: «وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ» - ما يكشف عن شناعة جرم هؤلاء المنافقين، وفظاعة الجناية التي جنوها على أنفسهم.. ولهذا، فإن الصلة التي بينهم وبين المؤمنين قد انقطعت انقطاعا تاما فى الحياة، وفيما بعد الحياة، حتى لو مات ميّتهم لم يلتفت المسلمون إليه، ولم تعطفهم عليه عاطفة رحم أو رحمة.. وقد نهى الله النبىّ صلى الله عليه وسلم أن يصلى على أحد من موتاهم أو يقوم على قبره، داعيا له مستغفرا.. وهو نهى للمسلمين جميعا، فى جميع الأحوال والأزمان أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى.. أحياء أو أمواتا. «إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ» أي إنهم كانوا على كفر بالله وبرسوله، وقد ماتوا على هذا الكفر.. فلا ينالهم الله برحمته، ولا يرحمهم الراحمون..
وقوله سبحانه: «وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ» - هو تحقير لهؤلاء المنافقين، واستخفاف بما كان لهم فى الدنيا من مال وأولاد.. فإن كثرة هذه الأموال، وهؤلاء