هنا يغلب عليهم طبعهم اللئيم، فإذا هم على طريق النفاق، ينقضون العهد الذي عقدوه مع الله، ويتحلّلون من الوفاء به! «فلمّا آتاهم من فضله بخلوا به» أي ضنّوا بهذا الفضل الذي هو من عند الله، على الإنفاق منه فى سبيل الله.
«وتولّوا وهم معرضون» أي نكصوا على أعقابهم، وأعرضوا عن الحق الذي لزمهم.
«فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ» أي تبعهم النفاق، وركب معهم الطريق الذي ركبوه، مبعدين عن الله، مطرودين من رحمته «إلى يوم يلقونه» أي سيصحبهم هذا النفاق إلى يوم القيامة، حيث يطلع عليهم هذا النفاق بوجهه الكريه، ليقف معهم بين يدى الله، وليكون شاهد إدانتهم، ورفيق طريقهم إلى عذاب السعير «بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ» أي هذا النفاق الذي لبسهم، واشتمل عليهم، وأصبح بعضا منهم، هو الثمرة الخبيثة التي أثمرها إخلافهم وعدهم لله، وقولهم بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم، وهم يحسبون أن الله- سبحانه- محدود القدرة، محدود العلم، وأنه إذا لم يشهد شهود عيان هذا العهد الذي عاهدوه عليه، لم تقم عليهم حجة، وكان لهم أن يمكروا به، وينكروا العهد الذي أعطوه من أنفسهم له؟.
وهذا عدوان على الله، أوقعهم فيه سوء فهمهم وتقديرهم لجلال الله، وعظمته، وقدرته وعلمه.. ولهذا أنكر الله عليهم سوء ظنهم به، وخطأ تصورهم لكمال صفاته، فقال سبحانه: «أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ» .. ولو أنهم علموا هذا واستيقنوه، لما كان منهم هذا الظنّ السيّء، الذي زيّن لهم التحلّل ممّا عاهدوا الله عليه، فيما حكاه القرآن عنهم من قولهم: «لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ» ..