الأمور فى أوضاع مقلوبة، لا يلتقون معها إلا إذا قلبوا هم أوضاعهم، ومشوا على رءوسهم، بدلا من أرجلهم! قوله تعالى: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ» هو كشف عن وجه آخر، من وجوه النفاق التي يظهر بها المنافقون فى الناس.. وهو أنهم إذا ضبطهم القرآن متلبسين بجريمة من جرائمهم المنكرة، أو لامهم لائم على ما انكشف من مستور تدبيرهم السيّء، وما جرى على ألسنتهم من هزؤو سخرية برسول الله وبالمؤمنين بالله، قالوا معتذرين:
«إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ» أي لم نكن جادّين فيما كنا فيه، وإنما هو لعب وعبث، ومفاكهة! وهكذا المنافق.. لا يجد ما يستر به نفاقه إلا الكذب.. فهو كدب يستر كذبا، ونفاق يدارى نفاقا..
وقد أمر الله سبحانه نبيه الكريم أن يردّ عليهم زعمهم هذا، وأن يسفّه باطلهم الذي هم فيه، وأن يفضح عذرهم المفضوح الذي اعتذروا به.. «قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ؟» .. أفهذا مقام يخوض فيه الخائضون ويلعب اللاعبون؟ إنه لعذر أقبح من ذنب! قيل إن جماعة من المنافقين الذين كانوا فى غزوة تبوك مع المسلمين، وقد كانوا يذيعون فى الناس أحاديث يسخرون فيها من النبىّ وأصحابه، ويقولون فيما يقولون: إن محمدا وأصحابه لن يثبتوا للروم، وما هم إلا غنيمة باردة ليد الروم إذا التقوا بهم.. وقد كشفهم الله سبحانه وتعالى للنبىّ، وأراه وجوههم،