مدى الهوّة التي سيهويان فيها إذا هما وقعا تحت لعنة الله، وأنزل الله سبحانه فى شأنهما قرآنا يفضحهما- طبيعى أن هذا الشعور إنّما بلغ به هذه الدرجة من اليقظة والحساسية، هو وثاقة الإيمان بالله، وحسن الإدراك لكماله سبحانه وتعالى، وأنه القادر الذي لا يعجزه شىء.. العالم الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء.. فإذا جاءت بعد ذلك شواهد عملية تكشف عن تلك القدرة وهذا العلم، فيما كشف القرآن الكريم من خبايا المنافقين، وخفايا صدورهم- لم يكن ثمّة مهرب من الله إلا إليه، ولم يكن ثمة سبيل للنجاة إلّا فى طلب التطهير من الإثم، وإقامة حدّ الله على من اعتدى على حرمات الله! هذا، ولمّا لحق الرسول- صلوات الله وسلامه عليه- بالرفيق الأعلى، وانقطع وحي السماء- تنفّس المنافقون الصعداء، وزايلهم هذا الشعور من الحذر والخوف أن يمسوا أو يصبحوا على أعين الناس فضيحة مفضوحة للعالمين- فاستعلن نفاقهم، وتحركت ألسنتهم، بما كانت تكنّه صدورهم من منكر القول، وآثم التدبير.
ولكن- مع هذا- لم يكن للنفاق ولا للمنافقين أثر فى حياة المجتمع الإسلامى، الذي تركه الرسول، بعد أن أزاح تلك العلل التي كانت مستولية عليه، وسلك به مسالك الهدى والتقوى.. فما يكاد يظهر فى المجتمع انحراف، أو يطلّ عليه وجه منحرف، حتى تنكره الحياة كلها من حوله، وحتى ليأخذ المجتمع عليه كل سبيل للإقامة على هذا الانحراف، أو الإفلات من العقاب الراصد له..
ولقد تركت هذه التجربة أثرها فى نفوس المؤمنين، الذين عاشوا فى عهد النبىّ، ثم امتدّت بهم الحياة بعد النبىّ.. إذ أحسوا بهذا الفراغ الذي خلّفه فراق النبىّ الكريم لهم، كما استشعروا تلك الوحشة، من انقطاع الوحى